الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البداية والنهاية **
فمنها ما هو متعلق بالجمادات، ومنها ما هو متعلق بالحيوانات. فمن المتعلق بالجمادات: تكثيره الماء في غير ما موطن على صفات متنوعة سنوردها بأسانيدها إن شاء الله، وبدأنا بذلك لأنَّه أنسب باتباع ما أسلفنا ذكره من استسقائه، وإجابة الله له. قال البخاريّ: ثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحانت صلاة العصر، والتمس النَّاس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بوضوء، فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده في ذلك الإناء، فأمر النَّاس أن يتوضؤوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ النَّاس حتى توضؤوا من عند آخرهم. وقد رواه مسلم والتّرمذيّ، والنَّسائي من طرق عن مالك به. وقال التّرمذيّ: حسن صحيح. طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: حدَّثنا يونس بن محمد، ثنا حزم سمعت الحسن يقول: حدَّثنا أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرج ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصَّلاة فلم يجد القوم ما يتوضؤون به. فقالوا: يا رسول الله ما نجد ما نتوضأ به، ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير، فأخذ نبي الله فتوضأ منه، ثمَّ مدَّ أصابعه الأربع على القدح ثمَّ قال: ((هلموا فتوضؤوا)) فتوضأ القوم حتَّى بلغوا فيما يريدون من الوضوء. قال الحسن: سئل أنس كم بلغوا ؟ قال: سبعين، أو ثمانين. وهكذا رواه البخاريّ عن عبد الرَّحمن بن المبارك العنسي، عن حزم بن مهران القطيعي به. طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: حدَّثنا ابن أبي عدي عن حميد ويزيد قال: أنَّا حميد المعنيّ عن أنس بن مالك قال: نودي بالصَّلاة فقام كل قريب الدَّار من المسجد، وبقي من كان أهله نائي الدَّار، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمخضب من حجارة فصغر أن يبسط كفه فيه قال: فضمَّ أصابعه. قال: فتوضأ بقيتهم. قال حميد: وسئل أنس كم كانوا ؟ قال: ثمانين أو زيادة. (ج/ص:6/103) وقد روى البخاريّ عن عبد الله بن منير، عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: حضرت الصَّلاة فقام من كان قريب الدَّار من المسجد يتوضأ وبقي قوم، فأتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمخضب فيه ماء، فوضع كفَّه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفَّه، فضمَّ أصابعه فوضعها في المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعاً. قلت: كم كانوا ؟ قال: كانوا ثمانين رجلاً. طريق أخرى عنه: قال الإمام أحمد: حدَّثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد إملاءً عن قتادة، عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان بالزَّوراء فأتى بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه، فأمر أصحابه أن يتوضؤوا فوضع كفَّه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتَّى توضأ القوم. قال: فقلت لأنس: كم كنتم ؟ قال: كنَّا ثلاثمائة. وهكذا رواه البخاريّ عن بندار بن أبي عدي، ومسلم عن أبي موسى، عن غندر، كلاهما عن سعيد ابن أبي عروبة، وبعضهم يقول عن شعبة، والصَّحيح سعيد عن قتادة، عن أنس قال: أتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بإناء وهو في الزَّوراء، فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم. قال قتادة: فقلت لأنس: كم كنتم ؟ قال: ثلاثمائة، أو زهاء ثلاثمائة. لفظ البخاريّ. حديث البراء بن عازب في ذلك: قال البخاريّ: ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كنَّا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة، فجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على شفير البئر، فدعا بماء فمضمض ومجَّ في البئر، فمكثنا غير بعيد، ثم استقينا حتَّى روينا وروت أو صدرت ركابنا. تفرد به البخاريّ إسناداً ومتناً. قال الإمام أحمد: حدَّثنا عفَّان وهاشم، حدَّثنا سليمان بن المغيرة، حدَّثنا حميد بن هلال، حدَّثنا يونس - هو ابن عبيدة مولى محمد بن القاسم - عن البراء قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر، فأتينا على ركى ذمة - يعني: قليلة الماء - قال: فنزل فيها ستة أناس أنا سادسهم ماحة فأدليت إلينا دلو. قال: ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على شفتي الركي، فجعلنا فيها نصفها، أو قراب ثلثيها، فرفعت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال البراء: فكدت بإنائي هل أجد شيئاً أجعله في حلقي؟ فما وجدت فرفعت الدّلو إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فغمس يده فيها فقال ما شاء الله أن يقول، وأعيدت إلينا الدلو بما فيها. قال: فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق. قال: ثمَّ ساحت - يعني: جرت نهراً -. تفرَّد به الإمام أحمد، وإسناده جيد قوي، والظَّاهر قصة أخرى غير يوم الحديبية، والله أعلم. (ج/ص:6/104) حديث آخر عن جابر في ذلك: قال الإمام أحمد: ثنا سنان بن حاتم، ثنا جعفر - يعني: ابن سليمان -، ثنا الجعد أبو عثمان، ثنا أنس بن مالك عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: اشتكى أصحاب رسول الله -، صلَّى الله عليه وسلَّم - إليه العطش. قال: فدعا بعس فصب فيه شيء من الماء، ووضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده فيه وقال: ((استقوا)). فاستقى النَّاس قال: فكنت أرى العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. تفرَّد به أحمد من هذا الوجه، وفي أفراد مسلم من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن جابر بن عبد الله في حديث طويل قال فيه: سرنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى نزلنا وادياً أفيح، فذهب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقضي حاجته، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله فلم ير شيئاً يستتر به، وإذا بشجرتين بشاطئ الوادي فانطلق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها فقال: ((انقادي عليَّ بإذن الله)). فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: ((انقادي عليَّ بإذن الله)) فانقادت معه كذلك، حتَّى إذا كان بالمنتصف مما بينهما لأم بينهما - يعني جمعهما - فقال: ((التئما عليَّ بإذن الله)) فالتأمتا. قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله بقربي فيبتعد، فجلست أحدِّث نفسي، فحانت مني لفتةً فإذا أنا برسول الله وإذا بالشَّجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة فقال برأسه هكذا يميناً وشمالاً، ثم أقبل فلما انتهى إليَّ قال: ((يا جابر هل رأيت مقامي؟)) قلت: نعم يا رسول الله. قال: ((فانطلق إلى الشَّجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصناً، فأقبل بهما حتَّى إذا قمت مقامي فأرسل غصناً عن يمينك، وغصناً عن شمالك)). قال جابر: فقمت فأخذت حجراً فكسرته وحددته فاندلق لي، فأتيت الشَّجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصناً، ثمَّ أقبلت حتى قمت مقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرسلت غصناً عن يميني، وغصناً عن يساري، ثمَّ لحقت فقلت: قد فعلت يا رسول الله. قال: فقلت: فلِمَ ذاك ؟ قال: ((إنِّي مررت بقبرين يعذَّبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام الغصنان رطبين)). (ج/ص:6/105) قال: فأتينا العسكر فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((يا جابر ناد الوضوء)). فقلت: ألا وضوء، ألا وضوء، ألا وضوء)). قال: قلت: يا رسول الله ما وجدت في الرَّكب من قطرة، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله في أشجاب له على حمارة من جريد. قال: فقال لي: ((انطلق إلى فلان الأنصاري فانظر هل ترى في أشجابه من شيء؟)) قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها لو أني أفرغته لشربه يابسه. قال: ((إذهب فأتني)) فأتيته فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو وغمزني بيده، ثم أعطانيه فقال: ((يا جابر ناد بجفنة)). فقلت: يا جفنة الرَّكب، فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله بيده في الجفنة هكذا، فبسطها وفرَّق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: ((خذ يا جابر فصبَّ عليَّ وقل: بسم الله)) فصببت عليه وقلت: بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت. فقال يا جابر: ((ناد من كانت له حاجة بماء)). قال: فأتى النَّاس فاستقوا حتى رووا. فقلت: هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده من الجفنة وهي ملأى. قال: وشكى النَّاس إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجوع. فقال: ((عسى الله أن يطعمكم)). فأتينا سيف البحر فزجر زجرة فألقى دابة، فأورينا على شقها النَّار فطبخنا واشتوينا، وأكلنا وشبعنا. قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عد خمسة في محاجر عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا، وأخذنا ضلعاً من أضلاعها فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الرَّكب، وأعظم حمل في الرَّكب، وأعظم كفل في الرَّكب، فدخل تحتها ما يطأطئ رأسه. (ج/ص:6/106) وقال البخاريّ: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا حصين عن سالم ابن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: عطش النَّاس يوم الحديبية والنَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بين يديه ركوة بيضاء، فجهش الناس نحوه. قال: ((مالكم)) ؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ، ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا. قلت: كم كنتم ؟ قال: لو كنَّا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة. وهكذا رواه مسلم من حديث حصين، وأخرجاه من حديث الأعمش، زاد مسلم وشعبة ثلاثتهم عن جابر بن سالم، عن جابر. وفي رواية الأعمش: كنا أربع عشرة مائة. وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة عن الأسود بن قيس، عن شقيق العبديّ أنَّ جابر بن عبد الله قال: غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن يومئذ بضع عشر ومائتان، فحضرت الصَّلاة فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هل في القوم من ماء؟)) فجاءه رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء. قال: فصبَّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قدح. قال: فتوضأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأحسن الوضوء، ثم انصرف وترك القدح، فركب النَّاس القدح تمسحوا وتمسحوا. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((على رسلكم)) حين سمعهم يقولون ذلك. قال: فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كفَّه في الماء، ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بسم الله)) ثم قال: ((أسبغوا الوضوء)). قال جابر: فوالذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فما رفعها حتى توضؤوا أجمعون. وهذا إسناد جيد تفرَّد به أحمد، وظاهره كأنَّه قصة أخرى غير ما تقدَّم. وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن أربع عشرة مائة، أو أكثر من ذلك، وعليها خمسون رأساً لا يرويها، فقعد رسول الله على شفا الركية فإمَّا دعا وإما بصق فيها. قال: فجاشت فسقينا واستقينا. وفي صحيح البخاريّ من حديث الزُّهريّ عن عروة، عن المسور ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية الطَّويل: فعدل عنهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه تبرضاً، فلم يلبثه النَّاس حتى نزحوه، وشكى إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العطش، فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرِّي حتى صدروا عنه. وقد تقدَّم الحديث بتمامه في صلح الحديبية، فأغنى عن إعادته. وروى ابن إسحاق عن بعضهم أنَّ الذي نزل بالسَّهم ناجية بن جندب سائق البدن قال: وقيل: البراء بن عازب، ثم رجَّح ابن إسحاق الأوَّل. حديث آخر عن ابن عباس في ذلك: قال الإمام أحمد: ثنا حسين الأشقر، ثنا أبو كدينة عن عطاء، عن أبي الضّحى، عن ابن عباس أصبح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم وليس في العسكر ماء، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله ليس في العسكر ماء قال: ((هل عندك شيء؟)) قال: نعم. قال: ((فأتني)). قال: فأتاه بإناءٍ فيه شيء من ماء قليل. قال: فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه. قال: فانفجرت من بين أصابعه عيون، وأمر بلالاً فقال: ((ناد في النَّاس الوضوء المبارك)). تفرَّد به أحمد. ورواه الطَّبرانيّ من حديث عامر الشعبيّ عن ابن عباس بنحوه. (ج/ص:6/107) حديث عن عبد الله بن مسعود في ذلك قال البخاري: ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو أحمد الزُّبيريّ، ثنا إسرائيل عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنَّا نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً، كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فقلَّ الماء. فقال: ((اطلبوا فضلة من ماء)). فجاءوا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الإناء ثم قال: ((حيِّ على الطّهور المبارك، والبركة من الله عزَّ وجل)). قال: فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولقد كنَّا نسمع تسبيح الطَّعام وهو يؤكل. ورواه التّرمذيّ عن بندار، عن ابن أحمد وقال: حسن صحيح. حديث عن عمران بن حصين في ذلك: قال البخاري: ثنا أبو الوليد، ثنا مسلم بن زيد سمعت أبا رجاء قال: حدَّثنا عمران بن حصين أنَّهم كانوا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مسير فأدلجوا ليلتهم، حتَّى إذا كان وجه الصّبح عرَّسوا فغلبتهم أعينهم حتَّى ارتفعت الشَّمس، فكان أوَّل من استيقظ من منامه أبو بكر، وكان لا يوقظ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من منامه حتى يستيقظ، فاستيقظ عمر، فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فنزل وصلَّى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا، فلما انصرف قال: ((يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا ؟ )). قال: أصابتني جنابة، فأمره أن يتيمم بالصَّعيد ثم صلَّى، وجعلني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ركوب بين يديه، وقد عطشنا عطشاً شديداً، فبينما نحن نسير مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين. فقلنا لها: أين الماء ؟ قالت: إنَّه لا ماء. فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء ؟ قالت: يوم وليلة. فقلنا: انطلقي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قالت: وما رسول الله ؟ فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فحدَّثته بمثل الذي حدَّثتنا غير أنَّها حدَّثته أنَّها موتمة، فأمر بمزادتها فمسح في العزلاوين فشربنا عطاشاً أربعين رجلاً حتى روينا، وملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنَّه لم نسقِ بعيراً، وهي تكاد تفضي من الملء. ثم قال: ((هاتوا ما عندكم)) فجمع لها من الكسر والتَّمر حتَّى أتت أهلها. قالت: أتيت أسحر النَّاس أو هو نبيّ كما زعموا. فهدى الله ذاك الصَّرم بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا. وكذلك رواه مسلم من حديث سلم بن رزين، وأخرجاه من حديث عوف الأعرابي، كلاهما عن رجاء العطارديّ - واسمه عمران بن تيم - عن عمران بن حصين به. وفي رواية لهما قال لها: ((اذهبي بهذا معك لعيالك، واعلمي أنَّا لم نرزأك من مائك شيئاً غير أنَّ الله سقانا)). وفيه أنَّه لما فتح العزلاوين سمى الله - عز وجل -. (ج/ص:6/108) حديث عن أبي قتادة في ذلك: قال الإمام أحمد: ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فقال: ((إنَّكم إن لا تدركوا الماء غداً تعطشوا)). وانطلق سرعان النَّاس يريدون الماء، ولزمت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فمالت برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم راحلته فنعس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فدعمته فادعم، ثم مال فدعمته فادعم، ثم مال حتَّى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال: ((من الرَّجل؟)) فقلت: أبو قتادة. قال: ((منذ كم كان مسيرك؟)) قلت: منذ الليلة. قال: ((حفظك الله كما حفظت رسوله)). ثم قال: ((لو عرَّسنا)) فمال إلى شجرة فنزل فقال: ((أنظر هل ترى أحداً؟)). قلت: هذا راكب، هذان راكبان، حتَّى بلغ سبعة. فقال: ((احفظوا علينا صلاتنا)). فنمنا فما أيقظنا إلا حرّ الشَّمس فانتبهنا، فركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فسار وسرنا هنيهة، ثم نزل فقال: ((أمعكم ماء؟)) قال: قلت: نعم معي ميضأة فيها شيء من ماء. قال: ((إئت بها)). قال: فأتيته بها. فقال: ((مسُّوا منها، مسُّوا منها)). فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال: ((ازدهر بها يا أبا قتادة فإنَّه سيكون لها نبأ)). ثمَّ أذن بلال وصلُّوا الرّكعتين قبل الفجر، ثم صلُّوا الفجر، ثم ركب وركبنا فقال: بعضهم لبعض فرَّطنا في صلاتنا. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما تقولون إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإليَّ)). قلنا: يا رسول الله فرَّطنا في صلاتنا. فقال: ((لا تفريط في النَّوم، إنَّما التَّفريط في اليقظة، فإن كان ذلك فصلُّوها ومن الغد وقتها)). ثم قال: ((ظنوا بالقوم)). قالوا: إنَّك قلت بالأمس: ((إن لا تدركوا الماء غداً تعطشوا)) فالنَّاس بالماء. قال: فلمَّا أصبح النَّاس وقد فقدوا نبيَّهم. فقال بعضهم لبعض: إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالماء، وفي القوم أبو بكر وعمر فقالا: أيُّها النَّاس إنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلِّفكم، وإن يطع النَّاس أبا بكر وعمر يرشدوا قالها ثلاثاً، فلمَّا اشتدت الظَّهيرة رفع لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فقالوا: يا رسول الله هلكنا عطشاً، تقطعت الأعناق. فقال: ((لا هلك عليكم)). ثم قال: ((يا أبا قتادة إئت بالميضأة)) فأتيته بها فقال: ((إحلل لي غمري)) - يعني: قدحه - فحللته، فأتيته به فجعل يصُّب فيه ويسقي النَّاس، فازدحم النَّاس عليه. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا أيُّها النَّاس أحسنوا الملأ، فكلكم سيصدر عن ري)) فشرب القوم حتَّى لم يبق غيري وغير رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فصبَّ لي فقال: ((إشرب يا أبا قتادة)). قال: قلت: إشرب أنت يا رسول الله. قال: ((إنَّ ساقي القوم آخرهم)). فشربت وشرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو ما كان فيها، وهم يومئذ ثلاثمائة. (ج/ص:6/109) قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدِّث هذا الحديث في المسجد الجامع، فقال: من الرَّجل ؟ قلت: أنا عبد الله بن رباح الأنصاريّ. قال: القوم أعلم بحديثهم، انظر كيف تحدِّث فإني أحد السَّبعة تلك اللَّيلة. فلمَّا فرغت قال: ما كنت أحسب أحداً يحفظ هذا الحديث غيري. قال حماد بن سلمة: وحدَّثنا حميد الطَّويل عن بكر بن عبد الله المزنيّ، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة الموصليّ، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمثله. وزاد قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه، وإذا عرس الصّبح وضع رأسه على كفِّه اليمنى، وأقام ساعده. وقد رواه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة الحرث بن ربعي الأنصاريّ بطوله، وأخرج من حديث حماد بن سلمة بسنده الأخير أيضاً. حديث آخر عن أنس يشبه هذا: روى البيهقيّ من حديث الحافظ أبي يعلى الموصليّ: ثنا شيبان، ثنا سعيد بن سليمان الضبعيّ، ثنا أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جهَّز جيشاً إلى المشركين فيهم أبو بكر فقال لهم: ((جدُّوا السَّير فإنَّ بينكم وبين المشركين ماء، إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شُقَّ على النَّاس وعطشتم عطشاً شديداً أنتم ودوابكم)). قال: وتخلَّف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ثمانية أنا تاسعهم وقال لأصحابه: ((هل لكم أن نعرس قليلاً، ثم نلحق بالنَّاس)). قالوا: نعم يا رسول الله، فعرسوا فما أيقظهم إلا حرّ الشَّمس، فاستيقظ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واستيقظ أصحابه فقال لهم: ((تقدَّموا واقضوا حاجاتكم)) ففعلوا، ثم رجعوا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فقال لهم: ((هل مع أحد منكم ماء؟)) قال رجل منهم: يا رسول الله معي ميضأة فيها شيء من ماء. قال: ((فجئ بها)). فجاء بها، فأخذها نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم فمسحها بكفيه ودعا بالبركة فيها وقال لأصحابه: ((تعالوا فتوضؤوا)) فجاءوا وجعل يصبّ عليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى توضؤوا كلَّهم، فأذَّن رجل منهم وأقام، فصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لهم وقال لصاحب الميضأة: ((ازدهر بميضأتك فسيكون لها شأن)). وركب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبل النَّاس وقال لأصحابه: ((ما ترون النَّاس فعلوا؟)) فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال لهم: ((فيهم أبو بكر، وعمر وسيرشد النَّاس)). فقدم النَّاس وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء، فشقَّ ذلك على النَّاس وعطشوا عطشاً شديداً ركابهم ودوابهم. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أين صاحب الميضأة؟)) قالوا: هو هذا يا رسول الله. قال: ((جئني بميضأتك)). فجاء بها وفيها شيء من ماء فقال لهم: ((تعالوا فاشربوا)) فجعل يصب لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، حتى شرب النَّاس كلَّهم، وسقوا دوابهم وركابهم، وملأوا ما كان معهم من إداوة وقربة ومزادة، ثم نهض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه إلى المشركين، فبعث الله ريحاً فضرب وجوه المشركين، وأنزل الله نصره وأمكن من ديارهم، فقتلوا مقتلة عظيمة، وأسروا أسارى كثيرة، واستاقوا غنائم كثيرة، ورجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والنَّاس وافرين صالحين. (ج/ص:6/110) وقد تقدَّم قريباً عن جابر ما يشبه هذا، وهو في صحيح مسلم. وقدَّمنا في غزوة تبوك ما رواه مسلم من طريق مالك عن أبي الزبير، عن أبي الطّفيل، عن معاذ بن جبل، فذكر حديث جمع الصَّلاة في غزوة تبوك إلى أن قال: وقال: - يعني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، وإنَّكم لن تأتوها حتى يضحى ضحى النَّهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتَّى آتي)). قال: فجئناها، وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء، فسألهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((هل مسستماً من مائها شيئاً؟)) قالا: نعم، فسبَّهما، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثمَّ غرفوا من العين قليلاً قليلاً، حتَّى اجتمع في شيء، ثم غسل رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وجهه ويديه، ثمَّ أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى النَّاس ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً)). وذكرنا في (باب الوفود) من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن الحارث الصدائي في قصة وفادته، فذكر حديثاً طويلاً فيه. ثم قلنا: يا رسول الله إنَّ لنا بئراً إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصَّيف قلَّ ماؤها فتفرَّقنا على مياه حولنا، وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها، فنجتمع عليه ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات ففركهن بيده ودعا فيهن ثم قال: ((اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة، واحدة، واذكروا الله عزَّ وجل)). قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعني: البئر -. وأصل هذا الحديث في المسند، وسنن أبي داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه. وأما الحديث بطوله ففي (دلائل النبُّوة) للبيهقي رحمه الله. وقال البيهقيّ: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، ثنا أبو حامد بن الشرقي، أنَّا أحمد بن حفص بن عبد الله، نا أبي، حدَّثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنَّه حدَّثه أنَّ أنس بن مالك أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك. قال: فدللته عليها. فقال: لقد كانت هذه وإنَّ الرَّجل لينضح على حماره فينزح، فجاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأمر بذنوب فسقي، فإذا أن يكون توضأ منه، وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر. قال: فما نزحت بعد. قال: فرأيته بال، ثم جاء فتوضأ ومسح على جنبه ثم صلَّى. وقال أبو بكر البزَّار: ثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثنا محمد بن عبد الله بن مثنى عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس قال: أتى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنزلنا فسقيناه من بئر لنا في دارنا كانت تسمى (النزور) في الجاهلية، فتفل فيها، فكانت لا تنزح بعد. ثم قال: لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه. (ج/ص: 6/111) تكثيره اللَّبن في مواطن أيضاً: قال الإمام أحمد: ثنا روح، ثنا عمر بن ذر عن مجاهد أن أبا هريرة كان يقول: والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوماً على طريقهم الذي يخرجون منه فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله - عز وجل - وما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل، فمرَّ عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل، فمرَّ أبو القاسم صلَّى الله عليه وسلَّم فعرف ما في وجهي، وما في نفسي فقال أبا هريرة: قلت له: لبيك يا رسول الله. فقال: ((إلحق)) واستأذنت فأذن لي، فوجدت لبناً في قدح قال: ((من أين لكم هذا اللَّبن؟)) فقالوا: أهداه لنا فلان، أو آل فلان. قال: ((أبا هر)). قلت: لبيك يا رسول الله. قال: ((انطلق إلى أهل الصَّفة فادعهم لي)). قال: وأهل الصَّفة أضياف الإسلام، لم يأووا إلى أهل ولا مال، إذا جاءت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هدية، أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته الصَّدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها. قال: وأحزنني ذلك، وكنت أرجو أن أصيب من اللَّبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي. وقلت: أنا الرَّسول، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم. وقلت: ما يبقى لي من هذا اللَّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بدّ، فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم، فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال: ((أبا هر خذ فأعطهم)). فأخذت القدح فجعلت أعطيهم، فيأخذ الرَّجل القدح فيشرب حتى يروى، ثم يردّ القدح، حتَّى أتيت على آخرهم، ودفعت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخذ القدح فوضعه في يده، وبقي فيه فضلة، ثمَّ رفع رأسه ونظر إلي وتبسم وقال: ((أبا هر)). فقلت: لبيك رسول الله. قال: ((بقيت أنا وأنت)). فقلت: صدقت يا رسول الله. قال: ((فاقعد فاشرب)). قال: فقعدت فشربت. ثم قال لي: ((إشرب)) فشربت. فما زال يقول لي: ((إشرب)) فأشرب، حتَّى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكاً. قال: ((ناولني القدح)) فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة. ورواه البخاريّ عن أبي نعيم، وعن محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك، وأخرجه التّرمذيّ عن عباد بن يونس بن بكير، ثلاثتهم عن عمر بن ذر. (ج/ص:6/112) وقال التّرمذيّ: صحيح. وقال الإمام أحمد: ثنا أبوبكر ابن عياش، حدَّثني عن زر، عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة ابن أبي معيط فمرَّ بي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو بكر فقال: ((يا غلام هل من لبن؟)) قال: فقلت: نعم، ولكنِّي مؤتمن. قال: ((فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟)) فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: ((أقلص)) فقلص. قال: ثمَّ أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علِّمني من هذا القول. قال: فمسح رأسي وقال: ((يا غلام يرحمك الله، فإنَّك عليم معلَّم)). ورواه البيهقيّ من حديث أبي عوانة عن عاصم، عن أبي النجود، عن زر، عن ابن مسعود وقال فيه: فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها، ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو، وأتاه أبو بكر بجفنة فحلب فيها وسقى أبا بكر، ثم شرب ثم قال للضرع: ((أقلص)) فقلص. فقلت: يا رسول الله علِّمني من هذا القول، فمسح رأسي وقال: ((إنَّك غلام معلَّم)) فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر. وتقدم في الهجرة حديث أم معبد وحلبه عليه السلام شاتها وكانت عجفاء لا لبن لها، فشرب هو وأصحابه، وغادر عندها إناء كبيراً من لبن، حتَّى جاء زوجها. وتقدم في ذكر من كان يخدمه من غير مواليه عليه السلام المقداد بن الأسود حين شرب اللبن الذي كان قد جاء لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم قام في اللَّيل ليذبح له شاة، فوجد لبناً كثيراً، فحلب ما ملأ منه إناء كبيراً جداً، الحديث. وقال أبو داود الطَّيالسيّ: ثنا زهير عن أبي إسحاق، عن ابنة حباب أنَّها أتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشاة فاعتقلها وحلبها فقال: ((إئتني بأعظم إناء لكم)) فأتيناه بجفنة العجين، فحلب فيها حتى ملأها ثمَّ قال: ((اشربوا أنتم وجيرانكم)). وقال البيهقيّ: أنَّا أبو الحسين بن بشران ببغداد، أنَّا إسماعيل بن محمد الصفار، أنَّا محمد بن الفرج الأزرق، ثنا عصمة بن سليمان الخزار، ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرمانيّ، عن نافع - وكانت له صحبة - قال: كنَّا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر وكنَّا زهاء أربعمائة، فنزلنا في موضع ليس فيه ماء فشقَّ ذلك على أصحابه وقالوا: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أعلم. قال: فجاءت شويهة لها قرنان فقامت بين يدي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم -، فحلبها فشرب حتى روي، وسقى أصحابه حتَّى رووا ثم قال: ((يا نافع املكها اللَّيلة وما أراك تملكها)). قال: فأخذتها فوتدت لها وتداً، ثمَّ ربطتها بحبل، ثمَّ قمت في بعض اللَّيل فلم أرَ الشَّاة، ورأيت الحبل مطروحاً، فجئت رسول الله فأخبرته من قبل أن يسألني وقال: ((يا نافع ذهب بها الذي جاء بها)). قال البيهقيّ: ورواه محمد بن سعد عن خلف بن الوليد أبي الوليد الأزدي، عن خلف بن خليفة، عن أبان وهذا حديث غريب جداً إسناداً ومتناً. (ج/ص:6/113) ثم قال البيهقيّ: أنَّا أبو سعيد الماليني، أنَّا أبو أحمد بن عدي، أنَّا ابن العبَّاس بن محمد بن العبَّاس، ثنا أحمد بن سعيد ابن أبي مريم، ثنا أبو حفص الرياحيّ، ثنا عامر ابن أبي عامر الخزاز عن أبيه، عن الحسن، عن سعد - يعني: مولى أبي بكر - قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((احلب لي العنز)). قال: وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه. قال: فأتيت فإذا العنز حافل. قال: فاحتلبتها واحتفظت بالعنز، وأوصيت بها قال: فاشتغلنا بالرِّحلة ففقدت العنز. فقلت: يا رسول الله قد فقدت العنز. فقال: ((إنَّ لها رباً)). وهذا أيضاً حديث غريب جداً إسناداً ومتناً، وفي إسناده من لا يعرف حاله، وسيأتي حديث الغزالة في قسم ما يتعلق من المعجزات بالحيوانات. تكثيره عليه السلام السمن لأم سليم: قال الحافظ أبو يعلى: حدَّثنا شيبان، ثنا محمد بن زيادة البرجمي عن أبي طلال، عن أنس، عن أمه قال: كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة فملأت العكة ثم بعثت بها مع ربيبة فقالت: يا ربيبة أبلغي هذه العكة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأتدم بها. فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله هذه عكة سمن بعثت بها إليك أم سليم، قال: ((أفرغوا لها عكتها)) ففرغت العكة فدفعت إليها، فانطلقت بها وجاءت وأم سليم ليست في البيت، فعلقت العكة على وتد، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر فقالت أم سليم: يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله ؟ فقالت: قد فعلت فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -، فانطلقت ومعها ربيبة فقالت: يا رسول الله إنِّي بعثت معها إليك بعكة فيها سمن. قال: ((قد فعلت، قد جاءت)). قالت: والذي بعثك بالحق، ودين الحق، إنها لممتلئة تقطر سمناً. قال: فقال لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت نبيه؟ كلي وأطعمي)). قالت: فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا وكذا وكذا، تركت فيها ما ائتدمنا به شهراً أو شهرين. (ج/ص:6/114) حديث آخر في ذلك: قال البيهقيّ: أنَّا الحاكم، أنَّا الأصمّ، ثنا عبَّاس الدُّوريّ، ثنا علي بن بحر القطَّان، ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرمانيّ، عن يوسف بن خالد، عن أوس بن خالد، عن أم أوس البهزية قالت: سليت سمناً لي فجعلته في عكة فأهديته لرسول الله فقبله، وترك في العكة قليلاً ونفخ فيها، ودعا بالبركة ثم قال: ((ردُّوا عليها عكتها)) فردُّوها عليها وهي مملوءة سمناً. قالت: فظننت أنَّ رسول الله لم يقبلها، فجاءت ولها صراخ فقالت: يا رسول الله إنَّما سليته لك لتأكله، فعلم أنَّه قد استجيب له. فقال: ((إذهبوا فقولوا لها: فلتأكل سمنها، وتدعو بالبركة)). فأكلت بقية عُمْرِ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وولاية أبي بكر وولاية عمر، وولاية عثمان حتَّى كان من أمر علي ومعاوية ما كان. حديث آخر: روى البيهقيّ عن الحاكم، عن الأصمّ، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن عبد الأعلى بن المسور القرشيّ، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة قال: كانت امرأة من دوس يقال لها: أم شريك أسلمت في رمضان، فذكر الحديث في هجرتها وصحبة ذلك اليهودي لها، وأنَّها عطشت فأبى أن يسقيها حتى تهود، فنامت فرأت في النَّوم من يسقيها فاستيقظت وهي ريَّانة، فلمَّا جاءت رسول الله قصَّت عليه القصة، فخطبها إلى نفسها فرأت نفسها أقلَّ من ذلك وقالت: بل زوِّجني من شئت. فزوجها زيداً وأمر لها بثلاثين صاعاً وقال: ((كلوا ولا تكيلوا)) وكانت معها عكة سمن هدية لرسول الله فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله ففرغت، وأمرها رسول الله إذا ردَّتها أن تعلقها ولا توكئها، فدخلت أم شريك فوجدتها ملآى فقالت للجارية: ألم آمرك أن تذهبي بها إلى رسول الله ؟ فقالت: قد فعلت، فذكروا ذلك لرسول الله فأمرهم أن لا يوكئوها، فلم تزل حتى أوكتها أم شريك، ثمَّ كالوا الشَّعير فوجدوه ثلاثين صاعاً لم ينقص منه شيء. حديث آخر في ذلك: قال الإمام أحمد: ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا أبو الزُّبير عن جابر أنَّ أم مالك البهزية كانت تهدي في عكة لها سمناً للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فبينما بنوها يسألونها الإدام وليس عندها شيء، فعمدت إلى عكتها التي كانت تهدي فيها إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((أعصرتيه؟)) فقلت: نعم. قال: ((لو تركتيه ما زال ذلك مقيماً)). ثمَّ روى الإمام أحمد بهذا الإسناد عن جابر، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرَّجل يأكل منه هو وامرأته وضيف لهم حتى كالوه فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لو لم تكيلوه لأكلتم فيه، ولقام لكم)). وقد روى هذين الحديثين مسلم من وجه آخر عن أبي الزبير، عن جابر. (ج/ص:6/115) ذكر ضيافة أبي طلحة الأنصاريّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة أنَّه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء ؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسَّته تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المسجد ومعه النَّاس، فقمت عليهم. فقال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أرسلك أبو طلحة؟)) فقلت: نعم. قال: ((بطعام؟)) قلت: نعم. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لمن معه: ((قوموا)) فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتَّى جئت أبا طلحة فأخبرته. فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والنَّاس، وليس عندنا ما نطعمهم. فقلت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتَّى لقي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأقبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو طلحة معه فقال رسول الله: ((هلمَّ يا أم سليم ما عندك؟)) فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ففتَّ، وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول ثم قال: ((إئذن لعشرة)) فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا. ثمَّ قال: ((إئذن لعشرة)) فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا. ثمَّ قال: ((إئذن لعشرة)) فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثمَّ خرجوا. ثمَّ قال: ((إئذن لعشرة)) فأكل القوم كلهم، والقوم سبعون، أو ثمانون رجلاً. وقد رواه البخاريّ في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من غير وجه عن مالك. (ج/ص:6/116) طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه: قال أبو يعلى: ثنا هدبة بن خالد، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا بكير وثابت البنانيّ عن أنس أنَّ أبا طلحة رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طاوياً، فجاء إلى أم سليم فقال: إنِّي رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طاوياً فهل عندك من شيء ؟ قالت: ما عندنا إلا نحو من دقيق شعير. قال: فاعجنيه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيأكل عندنا. قال: فعجنته وخبزته فجاء قرصاً فقال: يا أنس أدع رسول الله، فأتيت رسول الله ومعه أناس. قال مبارك: أحسبه قال: بضعة وثمانون. قال: فقلت: يا رسول الله أبو طلحة يدعوك. فقال لأصحابه: ((أجيبوا أبا طلحة)). فجئت جزعاً حتَّى أخبرته أنَّه قد جاء بأصحابه. قال بكر: فعدى قدمه، وقال ثابت: قال أبو طلحة: رسول الله أعلم بما في بيتي مني. وقالا جميعاً عن أنس: فاستقبله أبو طلحة فقال: يا رسول الله ما عندنا شيء إلا قرص، رأيتك طاوياً فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصاً. قال: فدعا بالقرص، ودعا بجفنة فوضعه فيها وقال: ((هل من سمن؟)) قال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء. قال: فجاء بها قال: فجعل رسول الله وأبو طلحة يعصرانها، حتَّى خرج شيء مسح رسول الله به سبابته، ثمَّ مسح القرص فانتفخ وقال: ((بسم الله)) فانتفخ القرص، فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتَّى رأيت القرص في الجفنة يميع فقال: ((أدع عشرة من أصحابي)) فدعوت له عشرة. قال: فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده وسط القرص وقال: ((كلوا باسم الله)) فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا. ثمَّ قال: ((أدع لي عشرة أخرى)) فدعوت له عشرة أخرى فقال: ((كلوا بسم الله)) فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا، فلم يزل يدعو عشرةً عشرةً يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالي القرص حتى شبعوا، وإنَّ وسط القرص حيث وضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده كم هو. وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرِّجوه، فالله أعلم. طريق أخرى عن أنس بن مالك: قال الإمام أحمد: ثنا عبد الله بن نمير، ثنا سعد - يعني: ابن سعيد بن قيس -، أخبرني أنس ابن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأدعوه وقد جعل له طعاماً، فأقبلت ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع النَّاس. قال: فنظر إليَّ فاستحييت فقلت: أجب أبا طلحة فقال للنَّاس: ((قوموا)). فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنَّما صنعت شيئاً لك. قال: فمسَّها رسول الله ودعا فيها بالبركة ثمَّ قال: ((أدخل نفراً من أصحابي عشرة)). فقال: ((كلوا)) فأكلوا حتَّى شبعوا وخرجوا وقال: ((أدخل عشرة)) فأكلوا حتى شبعوا، فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة، حتَّى لم يبق منهم أحد إلا دخل، فأكل حتى شبع، ثمَّ هيأها فأخذه هي مثلها حين أكلوا منها. وقد رواه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن عبد الله بن نمير، وعن سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه، كلاهما عن سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري. طريق أخرى: رواه مسلم في (الأطعمة) عن عبد الله بن حميد، عن خالد بن مخلد، عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس فذكر نحو ما تقدم. وقد رواه أبو يعلى الموصليّ عن محمد بن عباد المكيّ، عن حاتم، عن معاوية ابن أبي مردد، عن عبد الله بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أبيه، عن أبي طلحة فذكره، والله أعلم. (ج/ص:6/117) طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: ثنا علي بن عاصم، ثنا حصين بن عبد الرَّحمن عن عبد الرَّحمن ابن أبي ليلى، عن أنس بن مالك قال: أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع به طعاماً ثمَّ قال لي: يا أنس انطلق إئت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فادعه، وقد تعلم ما عندنا. قال: فأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه عنده فقلت: إنَّ أبا طلحة يدعوك إلى طعامه. فقام وقال للنَّاس: ((قوموا)) فقاموا فجئت أمشي بين يديه حتَّى دخلت على أبي طلحة فأخبرته. قال: فضحتنا. قلت: إنِّي لم أستطع أن أردّ على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمره، فلمَّا انتهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لهم: ((اقعدوا)) ودخل عاشر عشرة، فلمَّا دخل أتى بالطَّعام، تناول فأكل وأكل معه القوم حتَّى شبعوا. ثمَّ قال لهم: ((قوموا وليدخل عشرة مكانكم)) حتَّى دخل القوم كلهم وأكلوا. قال: قلت: كم كانوا ؟ قال: كانوا نيفاً وثمانين. قال: وفضل لأهل البيت ما أشبعهم. وقد رواه مسلم في الأطعمة عن عمرو النَّاقد، عن عبد الله بن جعفر الرقيّ، عن عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرَّحمن ابن أبي ليلى، عن أنس قال: أمر أبو طلحة أم سليم قال: اصنعي للنبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لنفسه خاصة طعاماً يأكل منه، فذكر نحو ما تقدَّم. طريق أخرى عن أنس: قال أبو يعلى: ثنا شجاع بن مخلد، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت جرير بن يزيد يحدّث عن عمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: رأى أبو طلحة رسول الله في المسجد مضطجعاً يتقلب ظهراً لبطن، فأتى أم سليم فقال: رأيت رسول الله مضطجعاً في المسجد يتقلب ظهراً لبطن فخبزت أم سليم قرصاً ثمَّ قال لي أبو طلحة: اذهب فادع رسول الله. فأتيته وعنده أصحابه فقلت: يا رسول الله يدعوك أبو طلحة. فقام وقال: ((قوموا)). قال: فجئت أسعى إلى أبي طلحة فأخبرته أنَّ رسول الله قد تبعه أصحابه، فتلقاه أبو طلحة فقال: يا رسول الله إنَّما هو قرص. فقال: ((إنَّ الله سيبارك فيه)) فدخل رسول الله، وجيء بالقرص في قصعة، فقال: ((هل من سمن؟)) فجيء بشيء من سمن، فغور القرص بإصبعه هكذا ورفعها ثمَّ صبَّ وقال: ((كلوا من بين أصابعي)) فأكل القوم حتى شبعوا. ثمَّ قال: ((أدخل عليَّ عشرة)) فأكلوا حتَّى شبعوا، حتَّى أكل القوم فشبعوا، وأكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتَّى شبعنا، وفضلت فضلة أهديت لجيران لنا. ورواه مسلم في (الأطعمة) من صحيحه: عن حسن الحلواني، وعن وهب بن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد، عن عمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك فذكر نحو ما تقدم. طريق أخرى عن أنس: قال الإمام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام، عن محمد - يعني ابن سيرين -، عن أنس قال حماد: والجَّعد قد ذكره قال: عمدت أم سليم إلى نصف مد شعير فطحنته، ثمَّ عمدت إلى عكة كان فيها شيء من سمن فاتخذت منه خطيفة. قال: ثمَّ أرسلتني إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: فأتيته وهو في أصحابه فقلت: إنَّ أم سليم أرسلتني إليك تدعوك. فقال: أنا ومن معي ؟ قال: فجاء هو ومن معه قال: فدخلت. فقلت لأبي طلحة: قد جاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ومن معه، فخرج أبو طلحة فمشى إلى جنب النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: يا رسول الله إنَّما هي خطيفة اتخذتها أم سليم من نصف مد شعير. قال: فدخل فأتي به قال: فوضع يده فيها ثمَّ قال: ((أدخل عشرة)). قال: فدخل عشرة فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ دخل عشرة فأكلوا، ثمَّ عشرة فأكلوا، حتَّى أكل منها أربعون كلهم أكلوا حتى شبعوا. قال: وبقيت كما هي قال: فأكلنا. وقد رواه البخاريّ في (الأطعمة) عن الصَّلت بن محمد، عن حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان، عن أنس وعن هشام بن محمد، عن أنس، وعن سنان بن ربيعة، عن أبي ربيعة، عن أنس أنَّ أم سليم عمدت إلى مدّ من شعير جشته وجعلت منه خطيفة، وعمدت إلى عكة فيها شيء من سمن فعصرته، ثمَّ بعثتني إلى رسول الله وهو في أصحابه، الحديث بطوله. ورواه أبو يعلى الموصليّ: ثنا عمرو عن الضحاك، ثنا أبي سمعت أشعث الحرَّانيّ قال: قال محمد بن سيرين: حدَّثني أنس بن مالك أنَّ أبا طلحة بلَّغه أنَّه ليس عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم طعام، فذهب فأجَّر نفسه بصاع من شعير، فعمل يومه ذلك فجاء به، وأمر أم سليم أن تعمله خطيفة، وذكر الحديث. طريق آخر عن أنس: قال الإمام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حرب بن ميمون عن النصر بن أنس، عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: إذهب إلى نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقل: إن رأيت أن تغدي عندنا فافعل، فجئته فبلَّغته فقال: ((ومن عندي؟)) قلت: نعم. قال: ((انهضوا)). قال: فجئته فدخلت على أم سليم وأنا لدهش لمن أقبل مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: فقالت أم سليم: ما صنعت يا أنس ؟ فدخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على إثر ذلك فقال: ((هل عندك سمن؟)) قالت: نعم، قد كان منه عندي عكة فيها شيء من سمن. قال: ((فأت بها)) قالت: فجئت بها، ففتح رباطها ثمَّ قال: ((بسم الله، اللهم أعظم فيها البركة)). قال: فقال: ((اقلبيها)) فقلبتها فعصرها نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يسمي، فأخذت نقع قدر فأكل منها بضع وثمانون رجلاً، وفضل فضلة فدفعها إلى أم سليم فقال: ((كلي وأطعمي جيرانك)). وقد رواه مسلم في الأطعمة عن حجاج بن الشَّاعر، عن يونس بن محمد المؤدب به. (ج/ص:6/119) طريق أخرى: قال أبو القاسم البغويّ: ثنا علي بن المدينيّ، ثنا عبد العزيز بن محمد الدَّراورديّ عن عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، عن أبيه، عن أنس بن مالك أنَّ أمه أم سليم صنعت خزيراً فقال أبو طلحة: إذهب يا بني فادع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: فجئته - وهو بين ظهرانيّ النَّاس - فقلت: إنَّ أبي يدعوك. قال: فقام وقال للنَّاس: ((انطلقوا)). قال: فلمَّا رأيته قام بالنَّاس تقدمت بين أيديهم، فجئت أبا طلحة فقلت: يا أبت قد جاءك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالنَّاس. قال: فقام أبو طلحة على الباب وقال: يا رسول الله إنَّما كان شيئاً يسيراً. فقال: ((هلمه فإنَّ الله سيجعل فيه البركة)) فجاء به فجعل رسول الله يده فيه، ودعا الله بما شاء أن يدعو ثم قال: ((أدخل عشرة عشرة)) فجاءه منهم ثمانون فأكلوا وشبعوا. ورواه مسلم في (الأطعمة) عن عبد بن حميد، عن القعنبي، عن الدَّراورديّ، عن يحيى بن عمارة ابن أبي حسن الأنصاريّ المازنيّ، عن أبيه، عن أنس بن مالك بنحو ما تقدم. طريق أخرى: ورواه مسلم في (الأطعمة) أيضاً عن حرملة، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد اللَّيثي، عن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس كنحو ما تقدم. قال البيهقيّ: وفي بعض حديث هؤلاء ثمَّ أكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأكل أهل البيت وأفضلوا ما بلغ جيرانهم. فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه شاهد ذلك على ما فيه من اختلاف عنه في بعض حروفه، ولكن أصل القصة متواتر لا محالة كما ترى، ولله الحمد والمنة. فقد رواه عن أنس بن مالك: إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، وبكر بن عبد الله المزنيّ، وثابت بن أسلم البنانيّ، والجعد بن عثمان، وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاريّ، وسنان بن ربيعة، وعبد الله بن عبد الله ابن أبي طلحة، وعبد الرَّحمن ابن أبي ليلى، وعمرو بن عبد الله ابن أبي طلحة، ومحمد بن سيرين، والنضر بن أنس، ويحيى بن عمارة ابن أبي حسن، ويعقوب بن عبد الله ابن أبي طلحة. وقد تقدَّم في غزوة الخندق: حديث جابر في إضافته صلَّى الله عليه وسلَّم على صاع من شعير وعناق، فعزم عليه السلام على أهل الخندق بكمالهم فكانوا ألفاً أو قريباً من ألف، فأكلوا كلَّهم من تلك العناق وذلك الصَّاع حتى شبعوا وتركوه كما كان، وقد أسلفناه بسنده ومتنه وطرقه، ولله الحمد والمنة. (ج/ص:6/120) ومن العجب الغريب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرَّحمن بن محمد بن المنذر الهرويّ - المعروف بشكر - في كتاب (العجائب الغريبة) في هذا الحديث فإنَّه أسنده وساقه بطوله، وذكر في آخره شيئاً غريباً فقال: ثنا محمد بن علي بن طرخان، ثنا محمد بن مسرور، أنَّا هاشم بن هاشم، ويكنى: بأبي برزة بمكة في المسجد الحرام، ثنا أبو كعب البداح بن سهل الأنصاريّ من أهل المدينة من النَّاقلة الذين نقلهم هارون إلى بغداد سمعت منه بالمصيصة عن أبيه سهل بن عبد الرَّحمن، عن أبيه عبد الرَّحمن بن كعب، عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد الله إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فعرف في وجهه الجوع، فذكر أنَّه رجع إلى منزله فذبح داجناً كانت عندهم وطبخها، وثرد تحتها في جفنة وحملها إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأمره أن يدعو له الأنصار فأدخلهم عليه أرسالاً فأكلوا كلهم، وبقي مثل ما كان، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأمرهم أن يأكلوا ولا يكسروا عظماً، ثمَّ إنَّه جمع العظام في وسط الجفنة فوضع عليها يده، ثمَّ تكلَّم بكلام لا أسمعه، إلا أني أرى شفتيه تتحرك، فإذا الشَّاة قد قامت تنفض أذنيها. فقال: ((خذ شاتك يا جابر، بارك الله لك فيها)). قال: فأخذتها ومضيت وإنها لتنازعني أذنها، حتَّى أتيت بها البيت فقالت لي المرأة: ما هذا يا جابر ؟ فقلت: هذه والله شاتنا التي ذبحناها لرسول الله، دعا الله فأحياها لنا. فقالت: أنا أشهد أنَّه رسول الله، أشهد أنَّه رسول الله، أشهد أنَّه رسول الله. حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدَّم: قال أبو يعلى الموصليّ والباغندي: ثنا شيبان، ثنا محمد بن عيسى بصري - وهو صاحب الطَّعام -، ثنا ثابت البنانيّ قلت لأنس بن مالك: يا أنس أخبرني بأعجب شيء رأيته ؟ قال: نعم يا ثابت، خدمت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشر سنين، فلم يعب عليَّ شيئاً أسأت فيه، وإنَّ نبيَّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمَّا تزوج زينب بنت جحش. قالت لي أمي: يا أنس إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصبح عروساً، ولا أدري أصبح له غداء فهلمَّ تلك العكة، فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيساً فقالت: يا أنس إذهب بهذا إلى نبي الله وامرأته، فلمَّا أتيت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم - بتور من حجارة فيه ذلك الحيس. قال: ((دعه ناحية البيت، وادع لي أبا بكر، وعمر، وعلياً، وعثمان، ونفراً من أصحابه، ثمَّ أدع لي أهل المسجد، ومن رأيت في الطَّريق)). قال: فجعلت أتعجب من قلَّة الطَّعام، ومن كثرة ما يأمرني أن أدعو النَّاس، وكرهت أن أعصيه حتَّى امتلأ البيت والحجرة. فقال: ((يا أنس هل ترى من أحد؟)) فقلت: لا يا رسول الله. قال: ((هات ذلك التور)). فجئت بذلك التور فوضعته قدامه، فغمس ثلاث أصابع في التور، فجعل التَّمر يربو فجعلوا يتغدون ويخرجون، حتَّى إذا فرغوا أجمعون وبقي في التور نحو ما جئت به فقال: ((ضعه قدام زينب)) فخرجت، وأسقفت عليهم باباً من جريد. قال ثابت: قلنا يا أبا حمزة: كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور ؟ فقال: أحسب واحداً وسبعين، أو اثنين وسبعين. وهذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه. (ج/ص:6/121) حديث آخر عن أبي هريرة في ذلك: قال جعفر بن محمد الفريانيّ: ثنا عثمان ابن أبي شيبة، ثنا حاتم بن إسماعيل عن أنيس ابن أبي يحيى، عن إسحاق بن سالم، عن أبي هريرة قال: خرج علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((أدع لي أصحابك من أصحاب الصّفة)) فجعلت أنبههم رجلاً رجلاً فجمعتهم، فجئنا باب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاستأذنَّا فأذن لنا. قال أبو هريرة: فوضعت بين أيدينا صحفة أظنُّ أنَّ فيها قدر مد من شعير، قال: فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليها يده وقال: ((كلوا بسم الله)). قال: فأكلنا ما شئنا، ثم رفعنا أيدينا فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين وضعت الصحفة: ((والذي نفسي بيده، ما أمسى في آل محمد طعام ليس ترونه)). قيل لأبي هريرة: قدر كم كانت حين فرغتم منها ؟ قال: مثلها حين وضعت إلا أنَّ فيها أثر الأصابع. وهذه قصة غير قصة أهل الصّفة المتقدمة في شربهم اللَّبن كما قدمنا. حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك: قال جعفر الفريابي: ثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، ثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريريّ، عن أبي الورد، عن أبي محمد الحضرميّ، عن أبي أيوب الأنصاريّ قال: صنعت لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولأبي بكر طعاماً قدر ما يكفيهما فأتيتهما به. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار)). قال: فشق ذلك عليّ ما عندي شيء أزيده. قال: فكأني تثاقلت. فقال: ((إذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار)) فدعوتهم فجاءوا فقال: ((أطعموا)) فأكلوا حتَّى صدروا، ثمَّ شهدوا أنَّه رسول الله ثمَّ بايعوه قبل أن يخرجوا. ثمَّ قال: ((إذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار)). قال أبو أيوب: فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين. قال: فدعوتهم. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تربعوا)) فأكلوا حتى صدروا، ثمَّ شهدوا أنَّه رسول الله، وبايعوه قبل أن يخرجوا. قال: ((فاذهب فادع لي تسعين من الأنصار)). قال: فلأنا أجود بالتسعين والستين منيّ بالثلاثين. قال: فدعوتهم، فأكلوا حتى صدروا، ثمَّ شهدوا أنَّه رسول الله، وبايعوه قبل أن يخرجوا. قال: فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلاً كلهم من الأنصار. وهذا حديث غريب جداً إسناداً ومتناً. وقد رواه البيهقيّ من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي عن عبد الأعلى به. (ج/ص:6/122) قصة أخرى في تكثير الطَّعام في بيت فاطمة: قال الحافظ أبو يعلى: ثنا سهل بن الحنظلية، ثنا عبد الله بن صالح، حدَّثني ابن لهيعة عن محمد بن المنكدر، عن جابر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتَّى شقَّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال: ((يا بنية هل عندك شيء آكله فإنِّي جائع)). فقالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلمَّا خرج من عندها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعاً محتاجين إلى شعبة طعام، فبعثت حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرجع إليها. فقالت له: بأبي أنت وأمي، قد أتى الله بشيء فخبأته لك. قال: ((هلمِّي يا بنية)) فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلمَّا نظرت إليها بهتت، وعرفت أنَّها بركة من الله فحمدت الله، وصلَّت على نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وقدمته إلى رسول الله. فلمَّا رآه حمد الله وقال: ((من أين لك هذا يا بنية؟)) قالت: يا أبت هو من عند الله، إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. فحمد الله وقال: ((الحمد لله الذي جعلك يا بنية شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله شيئاً، فسئلت عنه قالت: هو من عند الله، إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب)) فبعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى علي، ثم أكل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلي وفاطمة، وحسن وحسين، وجميع أزواج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأهل بيته جميعاً حتى شبعوا. قالت: وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيها بركة وخيراً كثيراً. وهذا حديث غريب أيضاً إسناداً ومتناً. وقد قدَّمنا في أول البعثة حين نزل قوله تعالى: ((وأنذر عشيرتك والأقربين)) حديث ربيعة بن ماجد عن علي في دعوته عليه السلام بني هاشم -وكانوا نحواً من أربعين - فقدَّم إليهم طعاماً من مد فأكلوا حتَّى شبعوا وتركوه كما هو، وسقاهم من عس شراباً حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة أيام متتابعة، ثمَّ دعاهم إلى الله كما تقدَّم.
|